هي صور شخصية وجدت مرسومة وملصقة على بعض المومياءات المصرية , حيث استبدل
فيها البورتريه بالقناع للميت . وقد وجدت بمنطقة الفيوم في مصر , وأن كانت
ثمة مواقع أخرى وجدت فيها تمتد من سقارة شمالاً إلى أسوان جنوباً . وهي
لوجوه مصرية أصيلة تألفها بمجرد رؤيتها , وتستشعر أنه وجوه لأناس تراهم كل
يوم في قري ومدن مصر .
وتعود تلك البورتريهات لفترة الحكم الروماني لمصر , ومع ذلك فهي لا تمثل
مرحلة نهاية الفن المصري القديم ؛ بل مرحلة تحوله وتمازجه مع الفن
اليوناني والروماني . ولذلك يمكن أن نستنبط منها أهم ملامح الفن المصري
القديم ؛ الذي لم يهتم في جوهره برسم ما يرى , بل رسم ما لا يرى ؛ فهو
تجسيد للتجريد , ورسم كل ما هو بعيد وغائب .
واهم ما يميز تلك البورتريهات أمرين :
الأمر الأول
هو الألوان الزاهية للأجزاء الظاهرة للملابس , و أسلوب تصفيف الشعر واللحية في الرجال , وتصفيفات الشعر والتزين بالحلي في النساء .
الأمر الثاني
هو ملامح تلك الوجوه النفسية والفكرية البادية للعيان وعمقها المذهل
؛ فهي شخصيات جوانية بامتياز , تستشعر أنها غارقة في التفكير الباطني
والحوار الذاتي والتساؤل حول معنى الحياة وجدوها ومصير الإنسان . وهذا
العمق بالطبع مستمد من جذورها البعيدة الضاربة في عمق الحضارة المصرية
القديمة التي يرجع إليها نشأة التأمل الفلسفي في العالم .
وإذا ما أدمنا النظر في عيون تلك الوجوه المرسومة , يبدوا لنا نظرتها
الفلسفية العميقة , ونستشعر أنها قادمة من العدم إلى الوجود وتعود إليه
مرة أخرى . وهذا ما يتأكد لنا إذا وضعنا في الاعتبار أن تلك البورتريهات
كانت ترسم للشخص في حياته , وقد تعلق في منزله حتى وفاته لتوضع بعد ذلك
على موميائه . وبالتالي فقد كان الشخص المرسوم يعلم جيداً أن تلك اللوحة
تمثل امتداده واستمراره في الوجود , عندما ينتقل من الوجود إلى اللاوجود .
ومن ثم يمكن أن نعدها مظهراً من مظاهر انشغال المصري القديم بالخلود
باعتباره هاجسه الأول والأخير .
وقد قيل فيما مضى ” أن الحرية هي وعي الضرورة ” .
وقد جعلتني تلك الوجوه أعتقد أن الحكمة هي وعي الموت وحتمية النهاية ؛ هذا
الوعي الذي يبعث في الإنسان كل جليل ؛ ليعيش بعد امتلاكه لا هم له إلا أن
يجعل لحياته العابرة معنى , ولوجوده الفاني قيمه . أنه وعي وحكمة المحكوم
عليه بالإعدام الذي قصده محمود درويش حين قال :
لي حكمة المحكوم بالإعدام
لا أشياء املكها لتملكني
إن تلك البورتريهات في النهاية , هي لحظة مرصودة من عمر إنسان عابر مر على
تلك الأرض , لحظة منفصلة بذاتها جسدت في تلك اللوحة . ورحل هذا الإنسان
العابر ولكن تلك اللحظة المرصودة ما زالت تحيا , وأصبح زمانها ممتداً بزمن
بقاء تلك البورتريهات التي عدها “بيكاسو ” قمة فن البورتريه في الفيوم